كنتور بين إكراهات التقنية ورحابة السند

لم يكن اهتمام الفنان التيباري كنتور بالسند كأولوية من باب المغامرة فقط، بل مجازفة حقيقية لاكتشاف تقنية إضافية لإثراء وإغناء مشروعه الفني، الذي يقتسمه في شموليته بين أسرار حرفية وأخرى موضوعية، كان له السبق في الإعلان عن تناولها والاهتمام بتفاصيلها، بجرأة تجاوزت حدود النمطية المستلهكة والخاضعة لرغبة المقتني، حيث عمل في مشروعه على الإنصات لحسه المرهف الغارق في دائرة سكونه الداخلي، وملكيته الإبداعية، ليثير الانتباه لأهمية و نوعية اشتغاله، بحكمها عملية رائدة لإعادة تأهيل الورق، فكانت تجربته تنحو لبعدين أساسيين، حيث تستمد أشكالها بما يمليه السند، من أفكار وإمكانيات، لتصب فيه عن طريق وسيط يتم تحضيره بعناية فائقة ليستجيب لمتطلبات الفكرة الأساسية التي يريد الفنان « كنتور » معالجتها، فكان كل عمل يختلف عن الآخر، ويتفرد بمقومات تجعل منه نسخة فريدة لا تشبهها باقي الرشمات، التي تتعرض لضغط آلة الاستنساخ، Presse de gravure، فيخرج العمل بهذا من دائرة التكرار المبتذل، لعملية إبداعية بأسئلة حول الهدف العميق للفنان، والخروج بهذه التقنية القديمة والعريقة، من نمط تاريخي كان ولا زال متداولا، لمرحلة حداثية كسرت الطرق المطبخية المتداولة في التعامل مع الأسندة الأولية (الزنك، النحاس..)، التي يتم تهييؤها في المرحلة الأولى، بالأحماض لحفر الأشكال التي يرسم الفنان فوقها، قبل أن تنعكس على سناد الورق بصفة نهائية.
إن تجربة الفنان كنتور، تجربة تركيبية اعتمدت في تكوينها على بناء رمزي للأشكال التجريدية، ضمن نسق تشخيصي في نفس الآن، يحيل على مشاهد من الطبيعة يصعب تحديدها، مع اختزال الألوان وتحديدها في ملون بني بتدرجاته إلى جانب الأحمر الفاقع، الذي اتخذ مواقع متعددة ومختلفة مكتسحا مساحة الورق، هذه المساحة التي تجاوزت حدود القياسات العادية لعملية الحفر، بعد التدخل الجسدي للفنان أثناء الاشتغال بطريقة حركية، رغبة منه في إدماج عناصر يدوية إضافية إلى جانب الأشكال الكرافيكية، التي تم طباعتها لتحقيق التوازنات الجمالية، التي يختزنها الورق وإدراكه المبكر بأهميته كسند، عمل على صناعته ليستجيب لمتطلبات الفكرة المكونة لمشروعه الإبداعي.

شفيق الزكاري